کد مطلب:239418
شنبه 1 فروردين 1394
آمار بازدید:185
و أما المنصور
الذی أظهر نفسه فی صورة مهدی كما یظهر من قول أبی دلامة مخاطبا أبامسلم الذی قتله المنصور :
أبا مجرم ما غیر الله نعمة
علی عبده حتی یغیرها العبد
أفی دولة المهدی حاولت غدرة
ألا ان أهل الغدر أباؤك الكرد [1] .
و الذی قتل خلقا كثیرا حتی استقام له الأمر [2] .
فأمره فی الظلم و الجور و انتهاك الحرمات أشهر من أن یذكر، حتی لقد أنكر علیه ذلك : «.. رجل من أعظم الدعاة قدرا، و أعظمهم غناء . و هو أبوالجهم بن عطیة، مولی باهلة. و هو الذی أخرج أباالعباس السفاح من موضعه الذی أخفاه فی أبوسلمة، حفص بن سلیمان الخلال، و حرسه، و قام بأمره حتی بویع بالخلافة ؛ فكان أبوالعباس یعرف له ذلك . و كان أبومسلم یثق به، و یكاتبه ...
فلما استخلف أبوجعفر المنصور، و جار فی أحكامه ؛ قال أبوالجهم : ما علی هذا بایعناهم، انما بایعناهم علی العدل ؛ فأسرها أبوجعفر فی نفسه، و دعاه ذات یوم ؛ فتغدی عنده، ثم سقاه شبة من سویق اللوز ؛ فلما وقعت فی جوفه هاج به وجع ؛ فتوهم : أنه قد سم : فوئب، فقال له المنصور : الی أین یا أباالجهم ؟! فقال : الی حیث أرسلتنی . و مات بعد یوم أو یومین فقال :
[ صفحه 113]
احذر سویق اللوز لا تشربنه
فان سویق اللوز أردی أباالجهم [3] .
و أنكر علیه ذلك أیضا - بالاضافة الی عمه كما تقدم - جماعة من قواده، فقاموا علیه، و دعوا الناس الی موالاة أهل البیت، فحاربهم عبدالرحمان الزدی سنة 140 ه . فقتل طائفة منهم، و حبس آخرین [4] .
و قال الطبری فی حوادث سنة 140 ه. أیضا : « .. و فیها ولی أبوجعفر عبدالجبار بن عبدالرحمن خراسان، فقدمها، فأخذ بها ناسا من القواد، و ذكر أنه اتهمهم بالدعاء الی ولد علی بن أبی طالب، منهم : مجاشع بن حریث الانصاری، و أبوالمغیرة، مولی لبنی تمیم، و اسمه خالد ابن كثیر، و هو صاحب قوهستان، و الحریش بن محمد الذهلی، ابن عم داود، فقتلهم و حبس الجنید بن خالد بن هریم التغلبی، و معبد بن الخلیل المزنی، بعد ما ضربهما ضربا مبرحا، و حبس عدة من وجوه قواد أهل خراسان» [5] .
و لعل من الامور الجدیرة بالملاحظة هنا : أن المنصور كان یعاشر الراوندیة القائلین بالوهیته، و لا ینهاهم و لا یردعهم عن مقالتهم تلك، و عندما سأله أحد المسلمین عن ذلك قال له - علی ما فی تاریخ الطبری - : « لأن یكونوا فی معصیة الله و طاعتنا، أحب الی من أن یكونوا فی طاعة الله و معصیتنا. » .
و لكنه عندما ثاروا علیه فی الهاشمیة، وضع فیهم السیف و قتلهم، و لكن لا لاجل مقالتهم الشنیعة تلك، و انما لأجل عدم طاعتهم له !! ..
[ صفحه 114]
هذا ... و عندما قال لعبدالرحمان الافریقی، رفیق صباه :
« كیف رأیت سلطانی من سلطان بنی أمیة ؟ » .
أجابه عبدالرحمان : « ما رأیت فی سلطانهم شیئا من الجور الا رأیته فی سلطانك .. » [6] .
و عندما قدم علیه عبدالرحمان هذا من افریقیا، و دخل علیه، بعد أن بقی ببابه شهرا، لا یستطیع الوصول الیه، قال له عبدالرحمان :
« ظهر الجور ببلادنا، فجئت لا علمك : فاذا الجور یخرج من دارك. و رأیت أعمالا سیئة، و ظلما فاشیا، ظننته لبعد البلاد منك، فجعلت كلما دنوت منك كان الأمر أعظم ».
فغضب المنصور، و أمر باخراجه [7] .
و قال لابن أبی ذؤیب : « أی الرجال أنا ؟ » .
فأجابه : « أنت والله عندی شر الرجال، استأثرت بمال الله، و رسوله، و سهم ذوی القربی، و الیتامی، و المساكین، و أهلكت الضعیف، و أتعبت القوی ، و أمسكت أموالهم .. » [8] و حج أبوجعفر فدعا ابن أبی ذئب، فقال : نشدتك الله، ألست أعمل بالحق ؟ ألیس ترانی أعدل ؟ فقال ابن أبی ذئب : أما اذ نشدتنی بالله فأقول : اللهم لا، ما أراك تعدل، و انك لجائر، و انك لتستعمل الظلمة، و تترك أهل الخیر [9] .
[ صفحه 115]
و عندما كان یطوف بالبیت سمع أعرابیا یقول : « اللهم انی أشكو الیك ظهور الفساد، و ما یحول بین الحق و أهله، من الطمع . » ؛ فطلبه المنصور، فأتی به، فاستمع المنصور منه الی شرح واف عن الظلم، و الجور، و الفساد، الذی كان فاشیا آنذاك، و هی قصة طویلة لا مجال لذكرها، و علی مریدها المراجعة الی مظانها [10] .
و لا بأس بمراجعة ما قاله له عمرو بن عبید، فی موعظته الطویلة له، و من جملتها : « .. ان وراء بابك نیرانا تتأجج من الجور، و الله، ما یحكم وراء بابك بكتاب الله، و لا بسنة نبیه الخ .. » [11] .
و قد لقی أعرابیا بالشام ؛ فقال له المنصور : « احمد الله یا أعرابی، الذی رفع عنكم الطاعون بولایتنا أهل البیت ».
فأجابه الاعرابی : « ان الله أعدل من أن یجمعكم علینا و الطاعون » .
فسكت، و لم یزل یطلب له العلل حتی قتله [12] .
[ صفحه 116]
و قد كتب له سدیف، الذی كان من المتحمسین للدولة العباسیة :
أسرفت فی قتل الرعیة ظالما
فاكفف یدیك اظلها « مهدیها » [13] .
و یرید ب« مهدیها » محمد بن عبدالله بن الحسن علی ما یظهر ..
و قضیة الرجل الهمدانی، الذی أراد عامل المنصور أن یسلبه ضیعته ؛ فأبی علیه ذلك ؛ فكبله بالحدید، و سیره الی المنصور، فأودعه السجن أربعة أعوام ، لا یسأل عنه أحد، هذه القضیة معروفة، و مشهورة [14] .
و عندما بنی مدینة : « المصصیة » قد أخذ أموال الناس، حتی ما ترك عند أحد فضلا [15] ، و عندما أراد أن یبنی مدینة أخری ثار الناس علیه و وقع القتال، لأنهم علموا أنه سوف لا یبقی عندهم فضلا أیضا .
و أما ما فعله عبدالوهاب ابن أخی المنصور فی أهل فلسطین، فذلك یفوق كل وصف و یتجاوز كل بیان [16] .
[1] عيون الأخبار لابن قتيبة ج 1 ص 26 و الكني و الألقاب ج 1 ص 158 . و يحتمل أن يقصد بالمهدي هنا : السفاح.
[2] فوات الوفيات ج 1 ص 232 ، و تاريخ الخلفاء للسيوطي ص 259 ، و تاريخ الخميس ج 2 ص 324.
[3] النزاع و التخاصم للمقريزي ص 52، و ليراجع : الوزراء و الكتاب ص 137 - 136 و فيه : أن أباالجهم كان وزيرا للسفاح.
[4] البداية و النهاية ج 10 ص 75.
[5] الطبري، طبع ليدن ج 10 ص 128.
[6] تاريخ الخلفاء للسيوطي ص 268، و غيره.
[7] تاريخ بغداد ج 10 ص 215، و الامام الصادق، و المذاهب الأربعة المجلد الأول جزء 2 ص 479.
[8] الامامة و السياسة ج 2 ص 145.
[9] صفة الصفوة ج 2 ص 175.
[10] المحاسن و المساوي من ص 339، الي ص 341، و العقد الفريد للملك السعيد ص 118 ،117 ،116، و حياة الحيوان للدميري ج 2 ص 191 ، 190، طبع سنة 1319، و عيون الأخبار، لابن قتيبة ج 2 من ص 333، الي ص 336، و العقد الفريد ج 2 ص 105 ،104، طبع سنة 1346، و ضحي الاسلام ج 2 ص 40، و الامام الصادق و المذاهب الأربعة ج 2 ص 480، نقلا عن : تاريخ ابن الساعي ص 19، و الفتوحات الاسلامية لدحلان ج 2 ص 445 حتي 448 مطبعة مصطفي محمد . و الموفقيات ص 393 ،392.
[11] مرآة الجنان لليافعي ج 1 ص 337 ،336، و المحاسن و المساوي، طبع صادر ص 339 ،338، و عيون الأخبار، لابن قتيبة باختصار ج 2 ص 337، و نور القبس ص 44.
[12] روض الأخيار المنتخب من ربيع الأبرار ص 86 و أساس الاقتباس، و البداية و النهاية ج 10 ص 123، تاريخ الخلفاء للسيوطي ص 265، و في كتاب ربيع الابرار ج 1 ص 688، طبيعة الدعوة العباسية ص 273، نقلا عن تاريخ دمشق لابن عساكر III ص 391 : أن الذي قال للمنصور ذلك هو منصور بن جعونة الكلابي : و أن قوله له هو : « ان الله أعدل من أن يسلط علينا الطاعون و العباسيين معا ...».
[13] العقد الفريد، طبع دار الكتاب العربي ج 88 / 5 . و يقال : ان هذا هو سبب قتل سديف.
[14] شرح قصيدة ابن عبدون لابن بدرون ص 282 ،281، و مروج الذهب ج 3 ص 288.
[15] تاريخ اليعقوبي ج 121 / 3.
[16] الوزراء و الكتاب ص 137.